يمكن أن يؤدي التحول إلى تكنولوجيات أكثر خضرة في إنشاء المباني وتشغيلها وإنتاج مواد البناء، إلى جانب أسواق رأس المال الأكثر مراعاة للمناخ، إلى تقليل البصمة الكربونية لسلسلة القيمة الخاصة بالبناء بنسبة 23% بحلول عام 2035، مع خلق فرص استثمارية في الأسواق الصاعدة.
وتعد سلاسل القيمة الخاصة بالبناء، التي تشمل إنشاء المباني وتشغيلها وإنتاج مواد البناء مثل الأسمنت والصلب، مساهما رئيسيا في ظاهرة الاحترار العالمي، حيث تمثل نحو 40% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة والصناعة، ويأتي أكثر من ثلثي هذه النسبة من الأسواق الصاعدة.
وفقا لتقرير رئيسي صدر مؤخرا عن مؤسسة التمويل الدولية، نجد الانبعاثات الناتجة عن البناء على مسار الارتفاع بنسبة 13% على مستوى العالم بحلول عام 2035، وذلك في حالة عدم بذل جهود إضافية للتخفيف والتكيف. ويمكن أن تؤدي ممارسات التصميم والبناء والعمليات الموفرة للطاقة والوصول إلى أسواق رأس المال الصديقة للمناخ التي توجه المزيد من الاستثمارات إلى سلسلة القيمة الخاصة بالبناء إلى الحد من الانبعاثات بنسبة 12.8% بحلول عام 2035 مقارنة بمستويات عام 2022 ويمثل ذلك نجاحا كبيرا في مكافحة تغير المناخ، والحد من احتمال حدوث ظواهر مناخية شديدة تفرض تكاليف اقتصادية وبشرية أعلى من أي وقت مضى على الشرائح الأشد فقرا في جميع أنحاء العالم. والشركات التي تجد فرصا موفرة للتكاليف أو فرص أنشطة أعمال جديدة ستجد أيضا منافع تتمثل في تحقيق مستهدفاتها الأساسية.
كيف يمكن تحقيق ذلك؟ وفقا لتقديرات مؤسسة التمويل الدولية، تمثل تدفئة المباني وتبريدها وتشغيلها نحو نصف مساهمة قطاع البناء البالغة 40% من الانبعاثات العالمية. ويمكن تخفيف ذلك من خلال التصميمات الموفرة للطاقة للإنشاءات الجديدة، وتوجيه موقع المبنى إلى الشمس ووجود المظلات الخارجية وتقليل حجم النوافذ، وغير ذلك من التدابير الأخرى. ويمكن أيضا تحسين المباني القائمة من خلال أعمال التحديث البسيطة بأنظمة تبريد وتدفئة أكثر كفاءة، وعدادات ذكية، وطلاء عاكس على الأسطح الخارجية وأسطح المنازل، وغير ذلك من الممارسات والتكنولوجيات المستدامة الأخرى. وبالإضافة إلى التصدي لتغير المناخ، سيؤدي ذلك إلى تحقيق وفورات لأصحاب المباني. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يوفر السقف العاكس أكثر من 20 ألف دولار سنويا في فواتير الكهرباء مقارنة بتصميم المبنى التقليدي في مستودع من طابق واحد في بوغوتا بكولومبيا.
ويساهم إنتاج مواد البناء، وخاصة الأسمنت والصلب، بصورة رئيسية أيضا في الانبعاثات من قطاع البناء بواقع 50% من غازات الدفيئة من هذا القطاع. وإنتاج الأسمنت هو النشاط الأكثر كثافة من حيث انبعاث الكربون في العالم. واستخدام مصادر الوقود البديلة مثل الكتلة الحيوية والنفايات والمخلفات الصناعية، إلى جانب طاقة الرياح والطاقة الشمسية المتجددة بدلا من الفحم يمكن أن يقلل الانبعاثات الناتجة عن إنتاج الأسمنت بنسبة 20%. ويمكن أن تؤدي تدابير كفاءة استخدام الطاقة والموارد إلى توفير ما يصل إلى 30% من احتياجات محطات الكهرباء. وفي صناعة الصلب، فإن حقن الأكسجين النقي في أفران الصهر يؤدي إلى استخدام كمية أقل من الفحم ويمكن أن يقلل الانبعاثات بنسبة 15 إلى 20%.
على المدى الطويل، توفر تكنولوجيا الهيدروجين الأخضر، التي تولد الطاقة بتقسيم المياه إلى هيدروجين وأكسجين باستخدام الكهرباء من مصادر متجددة حلا واعدا لخفض الكربون في صناعة الأسمنت. وفي الوقت نفسه، تشير الأبحاث إلى أن احتجاز الكربون - أي أخذ ثاني أكسيد الكربون من الانبعاثات وتخزينه أو إعادة تدويره لمزيد من الاستخدام الصناعي- يمكن أن يؤدي إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى النصف تقريبا بحلول عام 2050 وما بعده.
يحتاج كل ذلك إلى تمويل، وهو ما يمثل تحديا إضافيا لأن أسواق التمويل المستدام أقل تطورا في الأسواق الصاعدة منها في الاقتصادات المتقدمة. ومن 230 مليار دولار من تمويل الديون الخاصة الخضراء الذي تم توفيره في عام 2021 لسلاسل القيمة الخاصة بالبناء، ذهب 10% فقط إلى الأسواق الصاعدة، وكان معظمها إلى الصين. وحتى الآن، تم توجيه معظم تمويل الديون الخاصة الخضراء نحو إنشاء المباني وتشغيلها. وذهب 9% فقط من التمويل إلى تخضير تصنيع مواد البناء، وهو النشاط المسؤول عما يقرب من 50% من البصمة الكربونية لسلسلة القيمة الخاصة بالبناء.
وتشير الأبحاث إلى أن التكلفة الإجمالية لسلاسل القيمة الخاصة بالبناء الأخضر لن تتجاوز 0.03 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي العالمي سنويا في المتوسط بين عامي 2022 و 2035 إذا تم اتخاذ التدابير الموصى بها بشأن كفاءة استخدام الطاقة. وتشير التقديرات إلى أن إجمالي الاحتياجات الاستثمارية لتخضير سلسلة القيمة الخاصة بالبناء في السنوات 2022 - 2035 ستبلغ 3.5 تريليونات دولار منها 1.5 تريليون دولار للأسواق الصاعدة.
وتم تطوير العديد من أدوات التمويل في السنوات الأخيرة للاستفادة منها في زيادة حصة الأسواق الصاعدة من التمويل العالمي للمباني الخضراء. ومن هذه الأدوات مجال التمويل المختلط، وهو مجال حققت فيه مؤسسة التمويل الدولية قصب السبق حيث يجمع بين التمويل العام والخاص. وتشمل الأدوات الأخرى الديون المرتبطة بتحقيق الاستدامة، والرهون العقارية الخضراء، وصناديق رأس المال المُخاطر، وغير ذلك من الأدوات الأخرى.
ومؤسسات التمويل الإنمائي، على سبيل المثال، مؤسسة التمويل الدولية في وضع جيد لإطلاق المزيد من التمويل للمباني الخضراء. ويمكنها، مثلا، القيام باستثمارات أساسية، وتوفير التمويل الميسر والمختلط، وتفعيل مختلف صناديق المناخ على المستويات التي تتجاوز الحدود الوطنية. وتستطيع الحكومات أن تقدم مساهمة غاية في الأهمية، على سبيل المثال، من خلال تعزيز أكواد ولوائح وضوابط كفاءة استخدام الطاقة وسياسات تسعير الكربون التي تحفز البناء الأكثر استدامة وخفض الانبعاثات، وتطبيق إعفاءات ضريبية (في حدود الحيز المتاح في المالية العامة) للتكنولوجيات التي تقلل من الانبعاثات، وتفعيل المزيد من متطلبات الإفصاح عن الأداء البيئي والاجتماعي للشركات، فضلا عن الحوكمة، وغير ذلك من السياسات الأخرى.